مواجهة الصعوبات في الحياة هي من الحتميات التي لا مفر منها، سواء كان ذلك في العمل، في العلاقات الاجتماعية، الصحة أو الأهداف الشخصية التي نطمح لها.
وعجلة الحياة متغيرة بإستمرار ويجب علينا أن نتكيف معها ونعتاد على التغيير في سبيل تخطي أي عائق يعترض طريقنا.
في الواقع لن تستطيع أن تصل الى مرحلة خالية من أي صعوبات، أو مرحلة من السلام والثبات الدائم، وأفضل ما يمكنك تقديمه لنفسك خلالها، هو أن تتعامل معها بطريقة تحولها من وحل المصاعب الى فرص للتطوير والتحسين الذاتي.
وقد تحدث Ryan Holiday عن هذه الفكرة القديمة في كتابة العظيم (The Obstacle is The Way) عن فلسفة الرزانة عندما قال: ” ستمر بالكثير من العوائق في الحياة – بشكل عادل وغير عادل – وستكتشف من خلال الوقت مرارا وتكرارا، أن ما يهم ليس ماهية هذه العوائق-ولكن كيف تعاملت معها وكيف كانت ردة فعلك خلالها. وهل تمكنت من أن تحافظ على رباطة جأشك حينها”.
هناك كمية هائلة من الحكمة في هذا الكتاب ولكن سألخص أهم النقاط المذكورة في التعامل مع الصعوبات:
1- العوائق إشارات تخبرنا عن الاتجاه المناسب في الخطوة القادمة:
أهم ما يمكنك التركيز عليه عندما تواجهك مشكلة هو أن تنظر جيداً الى الاتجاه الذي تشير اليه.
قد تجلب الصعوبات معها الكثير من الألم والمشاعر السلبية مثل الإحباط والغضب والحزن. ومن المهم أن تستوعب بأن هذه الامور لن تمنعك من الوجهة التي تطمح اليها، ولكنها تغير فقط الطريق الذي كنت تعتقد أنك ستسلكه.
وفي هذا الكتاب يُشّبه Ryan العوائق بإشارات الطريق، وكيف يمكننا منع أنفسنا من أن نأخذ هذه الاشارات على محمل شخصي، مثلاً : ” لو أن هناك شخص تعرفه قد إستاء من إشارات الطريق فأستشاط غضباً وأحس بأن أحدهم تعمد فعل ذلك ليزعجه.. حينها سيتبادر الى ذهنك بأنه غير منطقي وأنه في الواقع عاقب نفسه مرتين، مرة عندما ركز على المشكلة ولم يبحث عن مخرج أخر ومرة أخرى عندما استخدم جل طاقته وتفكيره في أن يغضب فقط بشكل مفرط. وهذا بالتحديد ما تفعله لنا الحياة، تخبرنا بوجود إشارات للتوقف هنا، او أن الطريق مسدود، او أن المخرج قد تم تغييره الى اتجاه أخر. لن نستطيع أن نتجادل مع هذه الحقيقة أو نصرخ في وجهها كي تختفي. يمكننا بكل بساطة تقبل هذا التغيير وهذا لا يعني بأن هذه العوائق تقوم بمنعنا من الوصول إلى وجهتنا المحددة ولكنها بالتأكيد ستغير طريق الرحلة ومدة وصولنا الى الهدف المنشود.
العوائق لا تستطيع منعك من الوصول لهدفك. ولكنها عادة ما تغير الطريق الذي تسلكه لتحقيق الهدف. عندما يحدث هذا فهو يعني أن الوقت قد حان للتغيير، لذا عليك أن تسأل نفسك حينما تواجه هذه الصعوبات،
ما هو الامر الذي تخبرني به هذه العوائق؟ وما الذي يجب أن أركز عليه في الفترة القادمة؟
2- ماهي الخبرات التي اكتسبتها من كل تجاربك السابقة (ما الذي تمتلكه):
أفضل ما يمكنك أن تطلبه من نفسك عندما تواجه مشكلة ما، هو أن تفعل ما تتقنه جيدا.
كل شخص يواجه مشاكل مختلفة وكل شخص لديه اساليبه الخاصة للتكيف معها. ولكن في اللحظة التي نبدأ فيها بالمقارنة بيننا وبين الأخرين، نفقد عندها القدرة على رؤية ما هو أمامنا ونجد صعوبة في الإنتباه للرسائل التي تخبئها لنا الحياة في خضم هذا الألم.
ليس لدينا سوى هذا الخيار.. أن نفعل ما بوسعنا فعله. وهذه حقيقة بسيطة جدا ولكنها ليست سهله ولا يتقبلها الكثير. نحن نتمنى أن تكون الحياة كما نستحقها ولكنها ليست كما نأمل.. ويجب علينا أن نسعى ونتقدم للأمام بالرغم من أي شيء.
3- الأخطاء فرص للنمو
نحن لدينا من العيوب ما يكفي بأن نكون غير كاملين. وعندما نصل الى درجة التقبل لكل ما نغض الطرف عنه نشعر بالتواضع العميق في أنفسنا، وهذا ما يلزمنا لكي نستمر بالتعلم والتحسن.
نحن لا نعرف كل شيء ولا يمكننا تحقيق ذلك وينقصنا الكثير، وهذا السبب بحد ذاته يجب أن يمنعنا من أن نقسو على أنفسنا عندما نخطئ، فالأخطاء جزء طبيعي من كوننا بشر.
الأخطاء تشبه العوائق فهي تشير بطريقة غير مباشرة الى نقاط ضعفنا وتخبرنا ما الذي علينا تغييره. إذا جربت أن تتجاهل اخطاءك ستفوت على نفسك رسالة قيمة. وهو ما يعني أن تكرارك للخطأ في المستقبل أمرٌ محتمل.
4- انظر لهذه الصعوبات من منظور شخص أخر..
يصعب علينا أحيانا أن ننظر للمشكلة بموضوعية وهدوء. لأن الصعوبات تحمل في طياتها الألم والمعاناة ومشاعر سلبية. وعندما تصبح المشاعر هي المحكّم في المشكلة يصعب حينها التفكير بوضوح. ومن المفيد لحل مشكلة ما، أن تلقي عليها نظرة من عدسة شخص اخر، من منظور شخص ثالث متفرج.
تخيل أن هذا الموقف الذي مررت به حصل لشخص اخر. ما الذي كنت ستنصحه حينها؟؟
الموضوعية تعني أن تخرج نفسك (وهو الجانب الشخصي) من المعادلة. فكر للحظة ما الذي سيحدث عندما ننصح الاخرين ونقدم لهم المشورة؟ مشاكلهم بالنسبة لنا واضحة كالبلور والحل واضح. بعض الأحيان هذا ما يحدث لنا عندما نواجه صعوبات في حياتنا نفتقد للموضوعية من دون أن نقصد. ولكنها موجودة عندما نتعامل مع مشاكل الأخرين.
ولو طُلَب منك أن تنظر لمشكلتك من منظور شخص أخر، ستخرج بإحتمالات أخرى لم تفكر بها من قبل. وهذا بالضبط مالا يمكننا تحقيقه من خلال وجهة نظرنا نحن فقط.
بالتأكيد الامر ليس بهذه السهولة ولا يمكنك أن تصبح موضوعيا 100% ولكنها تجربة تستحق المحاولة.
واستخدامك لهذه الطريقة يساعدك، في أن تخلق مسافة امنة بينك وبين المشكلة. حتى تصبح اقل تأثيرا على مشاعرك وذات بعد شخصي مختلف. وبهذه الطريقة سيكون لديك أفضل صورة ممكنه لمشكلتك الحالية.
5- فكر بما تواجهه بشكل كلي ولا تركز على جزء منه
عادة عندما نرغب في تحقيق هدف ما نركز على البداية والنهاية وننسى الخطوات الصغيرة التي تحدث بينها. الحياة رحلة وأن لم ننتبه لهذه التفاصيل في مراحل التعلم، فلن نستطيع حينها أن نرى التحسن الذي نتطلع اليه في أنفسنا.
نحن نركز على الخطوة الأولى والنتيجة وننسى أن هناك ما يحدث خلال هذه المراحل.
6- القوة الكامنة تظهر عند ميناء المغيب الأخير
لنفترض أنك تحاول جاهداً تخطي مشكلة ما.. وفي كل مره تحاول فيها إيجاد حل تفشل في ذلك ويتكرر فشلك بتكرار المحاولات. وبدلا من أن تتحسن أمورك.. تسوء أكثر فأكثر. ويبدو لك وكأن هذه المعضلة لا تقهر ولا يمكنك حلها. فتخبر نفسك بأن إمكانية حل هذه المشكلة مستحيل وأن الأمل لا يفيد وتشعر حينها بالعجز.
ويشير الكاتب كيف ينتج من هذه اللحظات التي سماها بلحظات اليأس المظلمة، نقطة تحول لأفضل ما تمتلكه أنفسنا. وعندما نلاحظ أن الخيارات المتاحة بدأت في النفاذ وأننا قد وصلنا للمحطة الأخيرة. فإننا بذلك نكون في وضع يجبرنا بقوة على أن نتحلى بالشجاعة والابداع بطريقة غير مألوفة لنا من قبل.
“إذا كنت تعتقد يقينا أنك في نهاية الطريق وأن الاستسلام هو أفضل ما يمكنك فعله الأن، فإنك تمتلك حينها الفرصة المواتية لجعل ميناء الاستسلام نقطة انطلاق جديدة، لتنمو وتبحر وتحسن من قدراتك، فرصة لكي تجرب حلول مختلفة وتستخدم استراتيجيات متنوعة”.
يذكر المعالج النفسي Gary Klein مفهوم ( اليأس الإبداعي ) وكيف يمكنه أن يكون السبيل المميز الذي ينير لك بصيرتك.
عندما نجد أنفسنا في موقف يتشتت فيه كل الامل، فإننا في الواقع نصبح في مكانة تسنح لنا بأن نكون اقوى واذكى مما كنا عليه في السابق.
دائما ما أحث نفسي في أشد اللحظات ألماً، أنني وأن استطعت أن اتخطى هذه المشكلة، فإنني أستطيع أن اتخطى الصعوبات القادمة بكفاءة أكبر . وهذا ما يشجعني أن أصبح أقوى في وجه التحديات.
7- فرص العطاء
بعد المرور بالكثير من التجارب يكتسب الشخص الخبرة والحكمة التي تمكنه من أن يقدم العون لمن قد يكون في مأزق مشابه لما مر به.
ومن يواجه التجارب المؤلمة مثل العنف والادمان يعلم جيدا كم هو صعب أن تحرر نفسك من كل قيود الألم وتبحث عن فرص جديدة.
ومن اقوى الطرق التي تعيننا على تحويل هذه التجارب السلبية المكبوتة الى تجربة ذات معنى سامي وإيجابي في حياتنا، هو أن نستخدم هذه التجربة في مساعدة الأخرين وتوعيتهم بكيفية التعامل معه.
“أحيانا عندما نصبح عالقين في مشكلة صعبة .. أحدى أفضل السبل لخلق فرص جديدة للتغيير هي أن نفكر بالأسلوب التالي: “إذا كنت لا أستطيع أن أحل هذه المشكلة لنفسي فعلى الأقل يمكنني توعية الأخرين ومساعدتهم ومساندتهم خلال هذه التجربة”. توقف لثانية واسأل نفسك:
كيف يمكنني أن اجعل لهذا الألم معنى واستخدمه في مساعدة الغير؟
ماهي الفائدة التي أستطيع تقديمها؟”
عندما تفكر بمشكلتك بهذه الطريقة فأنت تسترجع قوتك من جديد وتشعر بأنك تستطيع أن تغير وتتحكم بجزء من حياتك (والتي نقصد بها الذكرى والمعنى الذي تحمله هذه التجربة لك). وهذا أفضل من أن تركز على المشكلة فقط وتنغمس بقيودها فتكبلك.
أن تفكر بأن وجودك له قيمة وأنك قدمت الأفضل في حياتك، هي من أغلى الذكريات التي سترويها لنفسك لاحقاً. لأنك استطعت أن تجعل لتجاربك أثر جميل لك ولمن حولك. لهذا استغل كل التجارب التي مررت بها لبناء وتحسين حياتك وحياة الأخرين.
المصدر:
كتاب The Obstacle is the way: The Art of Turning Trails into Triumph
للكاتب Ryan Holiday
ترجمة:
مرام الراشد