قد يبدو الأمر كتصرف منطقي أن نسعى لتلبية رغبات من حولنا. وبالأخص عندما نتلقى استحسان شخص ما ونبث فيه السعادة، نشعر بعدها بالرضا عن أنفسنا. وكأن قيامنا بتلبية طلبات من حولنا هو الطريق المثالي الذي يجب علينا أن نسلكه للوصول الى الشعور بالرضا. وربما نستمر على هذه الطريقة لعدة سنوات قادمة. اعتقاداً مِنّا أنه سيزيد من إعجاب الناس بنا وبذلك نقلل فرص الرفض.
في الحقيقة يمكن أن يجلب لنا هذا السلوك الكثير من الإطراء، ونُقنع أنفسنا بأنه لا مانع من أن نستمتع من حين إلى أخر بعبارات الشكر والعرفان من الأخرين بعد عمل نقدمه لهم. ولكن قد يحين الوقت الذي يتحول ما كان في السابق مصدراً من مصادر البهجة الى مصدراً للإرهاق والتعب.
نحن نفقد الرضا الداخلي عندما نبحث عن الرضا من الخارج عن طريق الأخرين. وفي كل مره نبتعد فيها أكثر عما نريده كي نتماشى مع توقعاتهم نصاب بالخيبة، ويكتسينا التردد في القرارات المهمة التي لطالما حلمنا بها. قد تتساءل لما لا؟ لما لا أطلب رضا الأخرين وأصبح أنا سعيداً ؟.. السبب ببساطة، أن تقديرك لنفسك ارتبط بنظرة الأخرين لك، فلان راضي عني إذاً.. أنا راضي عن نفسي. لذلك قد ترى بعض الأشخاص يفشل في اكتشاف نفسه ولا يعلم ما هو الشيء الذي يرضيه ويطمح إليه.
كيف يمكن أن تمنعك هذه التصرفات من تحقيق ذاتك ؟
بدون وعي يصبح تأثير السعي لإرضاء الأخرين سلبياً ولا يُطاق، وتبدأ في التخلي عن دورك وفعاليتك كفرد مميز في المجتمع. وهذا يمكن تفسيره بأنك تتجنب الأمور المهمة بالنسبة لك في سبيل أشياء أخرى مهمة عند الأخرين. ويعتريك الخوف من التجارب الجديدة، لأن رضا الناس عنك، هاجس يرغمك على أن ترفض الفرص المتاحة، وتُضخّم من ارتكاب الأخطاء وكأنها أسوأ ما يمكن حدوثه. وقد يغيب عن ذهنك حينها أنك بشر والبشر يخطئون. وأن تضخيم الفشل كوحش مخيف يجعل من الإقدام على أمر مَا، شيء يستحيل تحقيقه.
وهنا تكمن أهمية الوعي بتأثير هذا السلوك على حياتك، وكيف يجعلك تتراجع عن الكثير من الأمور المحببة لديك بحجة رضا الناس وكلامهم عنك. وعندما تتخطى هذه الفكرة ستصبح حراً في اختيار ما تريد. وستشعر بتوتر أقل مما عهدت عليه من قبل، لأن رأي الناس فيك وفي اختياراتك لم يعد يشغل بالك. عندما يكون دافعك للعمل هو إرضاء الغير، فهذا يعني الإنهاك والعمل المضاعف. وستجد أنك بشكل متكرر لا تستطيع قول كلمة: لا. إذا كان هذا ما تمر به وما تشعر به، فيجب عليك أن تستوعب؛ كيف أن محاولاتك المضنية لكسب محبتهم يجعلك تضحي بالكثير بدلاً من أن تركز على نفسك. عندما يكون الأمر على حساب مشاعرك وصحتك فقد حان الوقت للتغيير.

أهمية أن تعرف نفسك..
سوف تفقد بالتدريج لذة تحقيق أمنياتك وتفقد معرفتك بنفسك وما تحب لأنك كنت تؤجل رغباتك طويلاً. وكنت منشغلاً بمن حولك، إلى أن نسيت من أنت وماذا تريد، وما الذي يُشعل الحماسة فيك، وما الذي يدفعك للعمل بشغف، وهذا ما ستكتشفه عندما تركز على بناء ذاتك.
التفت إلى نفسك وكرس طاقتك في سبيل تحقيق رغباتك المؤجلة. وعليك أن تسأل نفسك:
ما هي الأمور التي أقدّرها وأحبها؟
ما هي الأشياء التي تشغل تفكيري والتي أتمنى لو أنها تصبح حقيقة؟
ما هي الأشياء التي أودّ ان أقضي فيها وقتي؟
أنصت الى ذاتك، واجعل تصرفاتك موازية لقيمك وأهدافك. بمعنى أن يصبح ما تفعله في حياتك اليومية يشابه ما تُكنّه في صدرك من طموح وأحلام. وتمضي في الطريق الصحيح الى الرضا الداخلي، ولكي تخفف من الشعور بالتناقض في نفسك وتستبدله بالشعور بالسلام.
قل وداعاً لرضا الناس !
سيتحقق هذا الأمر في حالة واحدة فقط، وهي عندما تقول نعم لما يتماشى مع شخصيتك وميولك. ومع كل نعم تنطقها لنفسك تبني من خلالها قوة داخلية تحميك من الرغبة الملحة لإرضاء الأخرين.
في البداية أعْط لتصرفاتك التي تحقق لك الرضا الذاتي الانتباه الكافي. تفكّر في القرارات والخيارات التي قمت بفعلها، وفي الصفات التي تحبها عن نفسك وفي كل تلك الأوقات التي بقيت فيها صادقاً مع ذاتك.
يجب أن تكون صريحاً مع نفسك فيما يخص التزامك بالوصول للرضا الذاتي.
لذا عندما تواجهك حيرة في عمل ما اسأل نفسك (هل أنا أفعل هذه المهمة من منطلق الرضا الذاتي أو رضا الاخرين؟). وعندما يَطلب مِنك أحدهم طلباً ما، اسمح لنفسك بالوقت الكافي للرد بالموافقة أو الرفض ولا تستعجل. تمهل قليلاً وراجع جدولك واعرف ما هي المهام الضرورية التي لها أولوية لك، وما هي المهام المبنية على رضا الأخرين. وعندها ستصبح قائمة الأفعال التي تحقق رضا الأخرين واضحة بالنسبة لك.. ويسهل عليك إلغائها أو تأجيلها واستبدالها بمهام تساعد في نموك الشخصي.
أعِلم جيداً أنك في بداية مرحلة التغيير ستواجه صعوبة لأنك اعتدت على تصرفات وسلوكيات معينة مع الأخرين. وستواجه أيضاً مقاومه ممن حولك وتعليقات محبطة أحياناً لأنهم اعتادوا على تحقيق طلباتهم من قبل. فالأمر ليس بهذه السهولة، لكنك تستطيع أن تحقق ذلك خطوة بخطوة. بدلاً من أن ترفض كل الطلبات اختر الموافقة على الطلبات التي تكون مرغوبة بالنسبة لك وينتج عنها نتائج مرضية تتشارك فيها أنت وصاحب الطلب. واختر الرفض في الطلبات التي تعتقد أنها ستجلب لك المتاعب أو التي تتضمن مالا تطيقه نفسك.
في خلال رحلتك لتحقيق ذاتك ستراودك تساؤلات عما إذا كان ما تفعله صحيح أم لا، وهذا شيء وارد لأنك غيرت مصدر الرضا الى مصدر أخر. وفقدت ما اعتادت عليه نفسك في السابق من إعجاب الأخرين وإطرائهم. وفي الحقيقة هذا ما يواجهه كل شخص يبدأ بالتغيير. وأعلم أن بذل الجهد في سبيل نفسك هو اختيارك أنت ولك الحرية في اختيار ما تشاء.
المرجع:
https://www.psychologytoday.com/us/blog/your-emotional-meter/201807/how-let-go-the-need-approval